قصص وأحكام قرآنيّة وردت في الإنجيل

المؤلفون

  • م.د.ضياء ماجد حسن كلية الامام الكاظم ع مؤلف

DOI:

https://doi.org/10.61710/t1aefn12

الملخص

     بسم الله الرّحمن الرّحيم والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على خير الخلق وخاتم المرسلين النّبيّ الكريم محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأمّا بعد..

     فإنّنا سنتناول الحديث والدّراسة في عدد من القصص والاحكام القرآنيّة الّتي وردت في الإنجيل الّذي يعتمده المسيحيون كتابٍ سماويٍّ أنزله الله تعالى ليهتدوا به في أحكامهم وتشريعاتهم وقوانين حياتهم، والمعروف أن هناك أربعة أناجیل فقط قد أقرتها الكنيسة الرسمية أواخر القرن الثاني الميلادي، وإذا عدنا إلى ظروف وأسباب ظهور هذا الأناجيل فذلك يعود إلى أن السيد المسيح (ع) لم يترك أثراً مكتوباً، بل تعاليم شفوية وسيرة حياة ، وكانت الجماعات المسیحیة الأولى تتناقل أقواله وأعماله وسیرة حیاته، كما وصلت إلیھا عن طريق تلامذته المباشرين ممن رافقوه في مسیرته التبشیرية ، وفي الحقیقة ، فإن الأناجیل التي نعرفها الیوم لم تكن الأثر الأول المكتوب الذي كان المسیحیون الأوائل يعملون بھديه، فقد سبقتھا رسائل بولس الرسول التي ظھرت تباعاً فیما بین عام 51 وعام 67م[i] ، وهو العام الذي استشهد فیه بمدينة روما أثناء موجة الاضطھاد الواسعة ضد المسیحیین في أيام الإمبراطور نيرون، ولكن رسائل بولص نفسھا لم تحتوِ على أي شيء فیما يخص سیرة حیاة السيد المسیح أو أعماله وأقواله ومعجزاته، وتعالیم بولص تبتدئ من السيد المسيح القائم من بین الأموات رباً ومخلصاً، وتنتھي عنده، فھو لم يشر بكلمة واحدة إلى السیدة مريم العذراء (ع ) ، ولا إلى میلاد المسيح الإعجازي، ولا إلى الأحداث التي قادت إلى محاكمته وصلبه، وھذا يعني أن أربعین سنة أو نحوھا قد انقضت على وفاة السيد المسيح دون أن يكون لدى الكنیسة وثیقة معتمدة فیما يخصه ، وإنما مجموعة رسائل ذات طابع لاهوتي يتركز موضوعھا الأساسي لا على حیاة السيح ، وإنما على الآثار الخلاصیة لصلبه وموته وقیامته [ii] .

      وعندما مات معظم أفراد الجیل الذي سمع عن يسوع مباشرة أو سمع من تلامذة السيد المسيح حاملین معھم ذكرياتھم وانطباعاتھم المباشرة ، طفت على السطح الخلافات والتناقضات داخل الكنیسة الأولى، وبدت الحاجة ماسة إلى تدوين سیرة يسوع وتعالیمه، وذلك بھدف تثبیت المعتقد المسیحي من جھة، أو تأكيد وجھة نظر ھذه الجماعة أو تلك ، وھكذا ظھرت على التتابع الأناجیل الأربعة التي عزيت إما إلى شخصیات من عصر نبوة السيد المسيح مثل مرقس ولوقا، أو إلى تلامیذه مباشرين مثل متّى ويوحنا ، وجميع ھذه الأناجیل دونت باللغة الیونانیة التي كانت لغة الثقافة في ذلك العصر ، ومجموع هذه الأناجيل سمي بالعهد الجديد ( إنجيل متي , إنجيل مرقس , إنجيل لوقا وإنجيل يوحنا )[iii]، الى جانب هذه الأناجيل يحتوي الكتاب المقدس المسيحي على عدد من الأسفار وهي : رسائل بولص الرسول ، رسائل يعقوب , رسالتين لبطرس , ثلاث رسائل ليوحنا , رسالة يهوذا وأعمال الرسل المعزو تدوينه الى لوقا ، إلى جانب ھذه الأسفار التي عدت قانونية ومكتوبة بإلھام من الروح القدس، ھنالك عدد من الأناجیل التي لم تقرھا الكنیسة الرسمیة، واعدتھا زورا إلى أسماء شخصیات بارزة في العھد الجديد، مثل منحولة، أي منسوبة ً إنجیل يعقوب، ومنحول متى، والإنجیل العربي، وإنجیل توما الإسرائیلي، وتاريخ يوسف النجار. ومعظم ھذه الأناجیل تھتم بتاريخ أسرة مريم وطفولتھا وحیاتھا السابقة، ومیلاد المسيح وطفولته، وما إلى ذلك من الموضوعات التي لم تأخذ حظاً وافرا من عناية مؤلفي الأناجیل الرسمیة[iv].

     على الرغم من أن ھذه الأناجیل قد بقیت على ھامش الأسفار الرسمیة للعھد الجديد، إلا أنھا كانت متداولة على نطاق واسع، وكان لها اثراً مھما في تزويد الخیال الشعبي والتقوى المسیحیة بمادة غنیة، كما أمدت ً الفن التشكیلي بكثیر من العناصر والأفكار التي بقي يعالجها وصولاً إلى العصور الحديثة، وذلك مثل میلاد العذراء، وتقديمھا إلى الھیكل، ومغارة المیلاد، وبشارة الملاك لـ مريم وھي جالسة تنسج حجاب الھیكل، كما قدمت مادة غنیة للموسیقى والتراتیل الكنسیة، وصارت بعض أحداثھا مناسبات دينیة احتفالیة، مثل عید صعود السیدة العذراء.[v]

     في مطلع القرن السابع للميلاد، عند ظهور الإسلام، كان العالم المسیحي غارقاً في الأناجیل المنحولة، ولم تكن الكنیسة المركزية قد افلحت تماما في تنميط المعتقد المسیحي والقضاء على ما أسمته بالھرطقات التي كانت تحمل أفكارا ورؤى لا تنسجم من قرارات المجامع المسكونیة المتتالیة منذ مجمع نیقیة عام 325م [vi].

     وهذا يعني إن القرآن قد نزل في مناخ ثقافي مشحون بالجدال بين المسیحیین والیھود من جھة، وبین المسیحیة والوثنیة من جھة ثانیة، وبین الفرق المسیحیة المتناحرة من جھة ثالثة، وقد أدلى القرآن الكريم بدلوه في خضم ھذا الجدل السائد، وقدم منظوره الأيديولوجي الخاص فیما يتعلق بالعديد من الروايات والقصص التي وردت في الأناجيل لا سيما التي تمثل العهد الجديد المعترف به من قبل الكنيسة.

      وهنا في هذا البحث سوف نعود إلى هذه الأناجيل ، التي أقرتها الكنيسة ، ونتتبع بعض نقاط الالتقاء او الاختلاف أحياناً ، مع ما ورد في القرآن الكريم من قصص وأحكام ؛ لأن الرواية القرآنية تحتوي على مادة غنیة شبیھة بمادة الأناجیل والھدف من وراء ذلك ھو إظهار مدى التشابه بین الرواية الإنجيلية والرواية القرآنية؛ الأمر الذي يجعل الرواية القرآنية أشبه برواية تقوم على جدل مسیحي داخلي، لا على جدل بین ديانتین مختلفتين، كما وسنقوم عبر ثنايا البحث بإجراء مقارنة بین اللاهوت المسیحي الذي نسجته ببطء وعبر عدة قرون قرارات المجامع المسكونیة، وبین لاھوت القرآن الكريم كما يتجلى في جدله المطروح مع أھل الكتاب .

     فهل هناك تشابه أو اختلاف حاصل بين القرآن الكريم الّذي هو هدى للنّاس جميعهم بما فيهم الأديان الأخرى والإنجيل الّذي هو قانون الدّين المسيحيّ؟

هذا ما سنعتمد عليه في بحثنا عبر تقديم مقدّمة وبمبحثين وخاتمة، على أن تكون المنهجيّة كاملة والمعلومات صحيحة مقدمة بإسلوب مفهوم وسليم، مع توضيح مجموعة من الأمثلة والشواهد المأخوذة من القرآن الكريم والإنجيل ، والتي تحكي موضوع الصيام [vii] في كل من القرآن الكريم والإنجيل فضلا عن قصة لسيدنا المسيح عيسى وكذلك امه مريم (عليهما السلام)  ، وقصة تتناول الحديث عن سيدنا إبراهيم عليه السلام وكذلك سيدنا موسى عليه السلام.

 

التنزيلات

منشور

2023-12-17

كيفية الاقتباس

قصص وأحكام قرآنيّة وردت في الإنجيل. (2023). Journal of Imam Al-Kadhum College, 7(2). https://doi.org/10.61710/t1aefn12